القائمة الرئيسية

الصفحات

تربية القطط قد تسبب الفصام

هل تربية القطط قد تسبب الفصام ؟

لويس وين
حين مرضت إيميلي زوجة الرسام الشهير لويس وين حاول لويس أن يخفف عنها برسم لوحات مبهجة و مرحة و مليئة بالألوان عن قطهم الذي تحبه إيميلي , و بالفعل خففت اللوحات عنها و بدأت زوجته في تشجيع لويس علي نشرها للعامة و بعد وفاتها كانت المفاجأة الغريبة .

نشر لويس أعماله و أهداها لبيتر القط قائلا : ( إهداء إليه و إليه يرجع أساس حياتي المهنية و نشأة عملي و تطور مجهوداتي).

اليس هذا غريبا ؟ .... فقد كان يرسمها من اجل ان تتعافي زوجته و تتحسن حالتها !

و استمر لويس في رسم قطط كثيرة أخري : قطط تلعب و تكتب و تشرب الشاي و تدخن و مئات الرسومات التي تم نشرها في المجلات و الكتب المصورة للأطفال و لكن للأسف بعد وفاة والدة لويس أيضا بدأت تظهر عليه سلوكيات غريبة و عدوانية تجاه إخوته الذين كان يرعاهم بنفسه .

فاضطروا أن يدخلوه مصحة لعلاج الأمراض النفسية و هناك تم تشخيص حالة لويس بالفصام و الفصام هو : ( اضطراب عقلي و نفسي مزمن يعيش مع المريض لبقية حياته).

استمرت إقامة لويس في المصحات النفسية 15 عاما و لم يتوقف أبدا عن رسم القطط ـ فقط قطط ـ و لكن بمرور السنين كان يطرأ علي رسوماته بعض التغيرات حيث كانت تتحول الرسومات من مجرد قطط بسيطة إلي أشكال معقدة و مليئة بالتفاصيل و الألوان و الانماط .

هذا التغير كان يثير اهتمام الرسامين في عصره  و لكنه كان مهما جدا في نظر الأطباء فهذا التغير ممكن أن يكون انعكاسا للتغير الذي يحدث في مخ لويس و أدمغة مرضي الفصام عموما , فاللوحات أمكنها أن تشرح لنا تدرج مراحل المرض و يمكنها أن ترينا العالم الذي تراه عيون مرضي الفصام.

كشف سبب إصابته بالفصام :

و لكن لويس لم يكن مصابا بالفصام فقط بل كان مصابا أيضا بـ داء المقوسات (Toxoplasmosis) : ( مرض معد يسببه طفيل يعيش في أمعاء القطط و ينتقل منها للإنسان) .

يحدث لبعض حالات العدوي أعراض خطيرة في المرضي ذوي المناعة الضعيفة أو في الحوامل فتسبب لهن إجهاض أو مشاكل للمولود مثل التأخر العقلي و العمي و تشوهات في حجم الرأس .

لكن في أغلب الحالات لا يعلم المريض بإصابته من الأساس بهذا الطفيل لأنه لا ينتج عنه أي أعراض ملحوظة لدرجة أن ثلث سكان العالم يحملون هذا الطفيل داخل أجسادهم طوال حياتهم و لكنهم لا يعلمون ذلك.

أنت نفسك قد تكون تحمله و أنت لا تعرف و لن تعرف لأنها لا تؤثر عليك .. أو ذلك ما كنا نعتقده حتي سنة 1953 حين نشر أول دراسة علمية تربط بين داء المقوسات (Toxoplasmosis) و مرض الفصام (schizophrenia).

كشفت الدراسة أن الطفيل المسبب للمرض يعيش داخل أمعاء القطط و يتكاثر داخلها و تخرج الأجيال الجديدة مع فضلاتها و أي شخص يتعامل مع هذه الفضلات معرض أن تتلوث يداه بالطفيل ثم من بعد ذلك يذهب بيده الملوثة تلك ليأكل أو يعد الطعام فيدخل الطفيل لجهازه الهضمي .

يمكن للطفيل أن ينتقل لنا أيضا عن طريق المياه أو النباتات الملوثة أو لحم الحيوانات المصابة أو غير المطبوخة جيدا ,  و بعد دخوله إلي الجهاز الهضمي لا يكتفي بأن يعيش في الجهاز الهضمي بل يهاجر و ينتقل و يستوطن الكثير من أجهزة الجسد بما فيه المخ , أكثر عضو معقد في أجسادنا و أكثر عضو نحن نفخر به علي باقي المخلوقات.

لا يتوقف الطفيل عند ذلك فقط بل لا يعتبر المخ هدفها من الأساس و ليس هذا مكانها المفضل بل هو مجرد عائل وسيط يستخدمه الطفيل لكي يصل إلي مكانه الأصلي و هو أمعاء قطط جديدة و هو المكان الذي يمكنها ان تتكاثر فيه و تنتج ملايين الأجيال الجديدة.

ماذا تتوقع أن يفعل طفيل موجود في مخك أو مخ أي كائن آخر و يريد الإنتقال لأمعاء قطة ؟ , اذا يمكنه أن يفعل و كيف سيتحرك ؟

فكر جيدا.

في الحيوانات الصغيرة مثل الفئران مثلا , اذا أصيب الفأر و وصلت الطفيليات لدماغه لن يكون هناك مخرج للطفيليات إلا عن طريق إلتهام قطة لذلك الفأر فتأكل أنسجته و مخه فتدخل الطفيليات لأمعائها و بذلك تكون قد وصلت لهدفها و هذا حل سهل لأن من الطبيعي في السلسلة الغذائية أن القطة تأكل الفأر.

لكن الطفيل لا يكتفي بذلك , فلا ينتظر حتي ياتي القط ليأكل ذلك الفأر بل إنه يسبب تغيرات مرعبة في سلوك الفأر بعد وصوله إلي دماغه و يجعل من الفأر الذي من طبيعته أن يخاف القطط و يهرب منها حفاظا علي حياته ان لا يخافها , فبعد إصابته بالعدوي يفقد تماما خوفه من القطط بل إنه ينجذب لها و يقترب منها , فالطفيل يحرك الفار و يجعل منه فريسة سهلة للقطط.

لو كانت هذه الطفيليات تفعل ذلك بأدمغة الفئران فماذا تفعل بأدمغة البشر ؟

حسب دراسة منشورة عام 2003 أن داء المقوسات كان مرتبطا بإحتمالية أعلي للإصابة بالفصام ليس فقط في المريضة التي أصيبت اثناء حملها بل أيضا في أولادها الذين سيأتون في المستقبل .

أثبتت دراسات أيضا علاقة العدوي بظهور اضطرابات سلوكية في البشر مثل السلوكيات العدوانية و ضعف الانتباه و الاندفاع و بالتالي التعرض بنسبة أكبر لحوادث المرور.

في دراسة دنماركية شملت 45000 سيدة تم تتبع سلوكهن لمدة 14 سنة فظهر ان السيدات المصابات بالعدوي كان احتمالية إصابتهن بالقلق و الإكتئاب و اللجوء للإنتحار أعلي بكثير من غير المصابات و محاولات الانتحار هذه كانت دائما أنجح لأنهن كن يستخدمن وسائل أعنف مثل الإنتحار بمسدس أو سكين بدلا من تناول جرعة زائدة من اي دواء.

التغيرات التي كان يسببها الطفيل في أدمغة الفئران كانت منطقية لأنها في النهاية كانت تحرك الفأر في اتجاه القط الذي سيأكله فيصل الطفيل لهدفه و يحقق مصلحته و لكن ما هي مصلحة الطفيل في أن يتصرف الإنسان بعنف أو عشوائية أو أن يعاني من هلاوس أو يقتل نفسه ؟

واحدة من النظريات تقول أننا نتعجب لذلك لأننا ننظر لعلاقة البشر و القطط الآن , لكن الوضع في الماضي لم يكن كذلك عندما كان أفراد من نفس عائلة القطط مثل النمور و الأسود يعيشون علي اختلاط بأفراد من نفس عائلة البشر مثل القرود و كان من الممكن لتلك القطط البرية أن تتغذي علي القرود .

فا في حالة اصيب القرد بالعدوي و نجاح الطفيل في الوصول إلي دماغه , فإن التغير و الارتباك في سلوكه هذا يمكن أن يجعله عرضة أكبر بأن يتم اصطياده و بذلك يكون قد نجح الطفيل في استكمال دورة حياته و لكن التطور الذي حدث فينا و في علاقاتنا بالقطط الآن جعل من ذلك التغير الذي يصنعه الطفيل في أدمغتنا ليس له تفسير.

حتي لو صحت هذه النظرية فإننا لا نعلم تحديدا كيف يحدث ذلك  فكيف لطفيل حجمه كله عبارة عن خلية واحدة لا تري بالعين المجردة يستطيع أن يتلاعب بمخ الإنسان الذكي الضخم المتطور المتحكم في الطبيعة و يسخرها لاحتياجاته .

و ذلك ما يضعف موقفنا أمام النقد الكلاسيكي فحدوث شيئين مع بعضهما في نفس الوقت لا يعني ان إحداهما سبب للأخري فمن الممكن ان لا تكون العدوي سبب للمرض النفسي ولا المرض النفسي سبب للعدوي و يكون هناك سبب ثالث مختلف سبب للإثنين مثلا.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

فقرات الموضوع