فكرة السفر عبر الزمن هي فكرة فلسفية قبل كونها فكرة علمية و ظلت في عقول البشر عبر العصور , و الفكرة ظهرت في حياة البشرية عن طريق عدد من الروايات و الأساطير و أفلام السينما , حيث كان البشر مهووسين بفكرة التنقل عبر الأزمنة .
فمثل أي نظرية تبدأ ببعض التخيلات و الفرضيات و بعدها تأخذ مسار علمي , كان ذلك الحال أيضا مع فكرة السفر عبر الزمن و تصادف ظهور مبادئ علمية في نظرية النسبية و نظريات ميكانيكا الكم تناقش موضوع نسبية الزمن و تغيره من مكان لآخر و التي تشبه كثيرا الأفكار المطروحة في الكتب و الروايات .
و مع التقدم التكنولوجي و تطور النظريات تغيرت نظرتنا للكون و أصبحت فكرة عبر الزمن مقبولة من بعض المفكرين و العلماء , فأخذت حيزا كبيرا في المجتمع العلمي بشكل عام و لم تعد الفكرة مقتصرة علي الرويات و الأفلام فقط .
بعد إطلاق البرت أينشتاين لنظرية النسبية استطاع تغيير الكثير في الفيزياء و هو الذي أضاف عنصر الزمن كبعد رابع بالإضافة للأبعاد الثلاثة و هم الطول و العرض و الارتفاع , حيث قال أن الزمن مهم في وصف كامل للأجسام فمثلا : كما أن طول الإنسان و ارتفاعه و عرضه هي أشياء مهمة في وصفه فكذلك عمر الإنسان و الزمن الخاص به هو شيء في غاية الأهمية لوصفه بالكامل و لا يمكن الاستغناء عنه , فبالتالي أصبح الزمن مرتبطا ارتباطا تاما بالأبعاد المكانية الثلاثة .
و قد تتسائل : ما علاقة كل ذلك بالسفر عبر الزمن ؟
الفكرة ببساطة هي : أنه كما يمكننا التحرك في الأبعاد المكانية بكل حرية مثل حركتنا لليمين و اليسار و الأعلي و الأسفل , فمن نفس المنطلق نستطيع التحرك بنفس الكيفية عبر الزمان و ننتقل من زمن لآخر و من عصر لآخر , و لكن الشرط اللازم للسفر عبر الزمن هو التحرك بسرعات تصل لسرعة الضوء .
بما أن الفرضيات تظل فرضيات حتي يتم إثباتها بالتجارب العلمية , ففرضيات السفر عبر الزمن أثبت بعضها في العصر الحديث حيث أن العلماء استطاعوا بالفعل تسريع جسيمات مثل الإلكترونات و البروتونات لسرعات مهولة تقترب من سرعة الضوء و لاحظوا أن مع زيادة السرعة زادت الكتلة و التي تتفق تماما مع نسبة الزيادة التي تتنبأ بها معادلات أينشتاين مما جعل فرضيات عبر الزمن صحيحة نظريا .
استخدام الساعة الذرية :
واحدة من التجارب التي أجرت مؤخرا كانت تجربة تم إجراؤها باستخدام الساعات الذرية ( و هي ساعات دقيقة جدا حيث يصل مقدار الخطأ ثانية واحدة كل 30 مليون سنة تقريبا وفقا للإحصائيات الحديثة ) , حيث أنهم استخدموا في التجربة ساعتين ذريتين لهما نفس التوقيت فوضعوا إحداهما في صاروخ تم إطلاقه بسرعة كبيرة جدا و تركوا الأخري علي الأرض , و عندما رجع الصاروخ مرة أخري وجدوا أن الساعة التي كانت علي الصاروخ حدث بها تأخير في الوقت مقارنة بالساعة الموجودة علي الأرض و بالرغم أن التأخير كان ضئيلا جدا لا يتعدي جزء من الثانية إلا أنه يعتبر دليل قاطع علي صحة معادلات أينشتاين و علي إمكانية حدوث تغير في الزمن من مكان لآخر و من حالة لحالة أخري .
رغم أن نظرية النسبية تعتبر أكبر مساند لفكرة التنقل عبر الزمن إلا أنها تنفي إمكانية الرجوع بالزمن و السفر للماضي , فوفقا لنسبية أينشتاين يمكننا السفر للمستقبل فقط و حدوث تباطئ في زمن الأجسام , أما العودة للزمن فهي فكرة مرفوضة تماما في النظرية النسبية لأن النسبية لا تعترف بوجود صورة سالبة للزمن و وفقا لمعادلات النسبية فإنه كلما زادت سرعة الجسم و اقتربت من سرعة الضوء كلما قل الزمن الخاص بذلك الجسم حتي يتوقف عند وصوله لسرعة الضوء و إذا تعدت سرعته سرعة الضوء سيرجع الزمن للماضي و ذلك مستحيل حدوثه فوفقا لمعادلات أينشتاين لا يمكن لأي جسم أن يتعدي سرعة الضوء طالما أن لذلك الجسم كتلة .
السفر عبر الزمن وفقا لمعادلات أينشتاين هو أمر صعب تطبيقه أما الرجوع بالزمن هو أمر مستحيل حدوثه , إلا أنه ظهرت بعض النظريات إدعت أن ذلك ممكن لأنها ابتعدت بشكل كلي عن التحرك بسرعة الضوء و عن الحركة من الأساس و اعتمدت علي وجود الثقوب السوداء ( الثقب الأسود هو نجم ضخم انفجر و انكمش لينهار علي نفسه و يمتلك قوة جاذبية ضخمة تبتلع الكواكب و النجوم و حتي الضوء ) , و ظهرت فكرة الثقوب السوداء عام 1916 بعد عام واحد من ظهور نظرية النسبية العامة و هذه الفرضية مرت بعدة تطورات حتي انتهت بفكرة أن الثقب الأسود موجود علي انحناء شديد في شبكة الزمكان و يبرط بين شبكتين مختلفتين من شبكات الزمكان و كأنه نفق متصل بكونين مختلفين , فأي جسم سيتمكن من المرور عبر الثقب الأسود و يتجاوز الاصطدام بمركز الثقب سيخرج من الناحية الأخري و يصل لفجوة زمنية مختلفة .
نظرية الثقوب السوداء :
هي إحدي النظريات التي ناقشت السفر عبر الزمن و التي لاقت شعبية كبيرة من عوام الناس لأن النظرية تسمح بالسفر للماضي و المستقبل علي عكس نظريات أينشتاين التي اقتصرت علي الإنتقال للمستقبل فقط , و لكن الفرضية كانت تعاني العديد من الثغرات و أحد تلك الثغرات أن أي جسم سيمر داخل الثقب الأسود لن يستطيع الخروج منه و سيصطدم بمركز الثقب و التي تسمي بـ نقطة الانسحاق و التي ينهار أي جسم يصطدم بها , و لكن عام 1963 نشر العالم روي كير حلول لتلك المشكلة و قال أن الثقوب السوداء هي ثقوب دودية و تتحرك من الداخل علي هيئة مسارات دائرية شبيهة بحركة المجرات أو حركة الكواكب حول نجومها و بالتالي توجد الإمكانية في تجنب مركز الثقب .
الفيزيائي ستيفن هوكينغ المشهور بأبحاثه عن الثقوب السوداء و لكنه من المعارضين لفكرة وجود آلة زمن أو فكرة الرجوع للماضي , بالإضافة أنه يري أن العودة للماضي هو تحايل علي الطبيعة , و أراد أن يثبت وجهة نظره بطريقة غريبة حيث أنه قام بعمل تجربة فلسفية لكي ينفي قدرة السفر للماضي حيث أنه أقام حفلة يوم 28 يونيو 2009 دون أن يخبر أحد و أرسل دعوات حضور الحفل بعد انتهاء الحفل بيوم واحد ( 29 يونيو ) , و عندما سأل عن السبب قال : لو كان السفر للماضي شيئ ممكن لكان جاء زائر من المستقبل ليحضر الحفل و لكنه لم يأت أحد .
نظرية الأوتار الكونية :
هي إحدي نظريات السفر عبر الزمن و التي تدعي أن الكون كله عبارة عن أوتار طاقة متناهية الصغر و هي وحدة بناء الذرات و الإلكترونات , و إذا حدث تقاطع بين وترين كونيين بسرعات معينة سينشأ مدار زمني منغلق بين فترتين زمنيتين مختلفتين و من خلاله سيحدث انتقال بين الأزمنة , و أثبت العالم كورت غودل بعض الفرضيات المتعلقة بالنظرية عام 1949 , و رغم أن نظرية الأوتار مقبولة عند البعض إلا أنها لا زالت في حيز الفرضيات و لا زالت تحتاج لأدلة .
فكرة السفر للماضي تعتبر المعضلة الأكبر في المجتمع العلمي مقارنة بالسفر للمستقبل لأن السفر للمستقبل تم إثبات حدوثه بالفعل كما قلنا في مثال ( الساعة الذرية و الصاروخ ) , أما السفر للماضي لا يزال عائقا و لم يستطع أحد إثباته , أحد الفرضيات التي تم طرحها عن السفر للماضي تقول أنه سيحدث الكثير من التناقضات في حالة عودة شخص للماضي لأنه سيغير في أحداث الماضي و بالتالي سيؤثر علي أحداث المستقبل فإذا مات المسافر للماضي في الماضي لن يكون له وجود في المستقبل , و لكن اقترح البعض حل لذلك التناقض من خلال مفهوم ( المسارات المتوازية للتاريخ ) فإذا سافر شخص ما للماضي و أحدث بعض التغييرات المؤثرة في المستقبل سيخلق مستقبل جديد في كون موازي و لكن مستقبل الشخص نفسه لن يتغير في كونه , و لكن هذا ليس له أي أساس من الصحة .
بالرغم من أن السفر عبر الزمن في العصر الحالي تم شرحه بطرق علمية من العلماء إلا أنه لا زالت بعض الأسئلة الفلسفية التي ليس لها أي إجابة مثل : لو كان هناك بالفعل إمكانية للسفر عبر الزمن لماذا لا يوجد زوار من المستقبل ؟ , و هل من الممكن للشخص المسافر في المستقبل أن يعيش في زمن أحفاده ؟ , و كيف يمكن من الأساس وجود كتلتين في زمنين مختلفين في الوقت ذاته ؟
.. اذا اعجبك المقال يمكنك متابعتنا علي الفيسبوك >> (معلومات عالطاير)
.. اذا اعجبك المقال يمكنك متابعتنا علي الفيسبوك >> (معلومات عالطاير)
تعليقات
إرسال تعليق