القائمة الرئيسية

الصفحات

Mariana Trench

خندق ماريانا , اعمق نقطة في المحيط

أثناء رحلة البشرية لاكتشاف كوكب الأرض كان من السهل ملاحظة أعلي الارتفاعات و القمم فوق سطح الأرض مثل قمة جبل إيفيرست أعلي القمم الجبلية في العالم و الذي وصل ارتفاعه إلي 8848 متر .

Mount Everest
لكن ليس من السهل أبدا اكتشاف أعمق نقطة  تحت سطح البحر , في الوقت الذي استطاع فيه الآلاف من تسلق جبل إيفيرست و الوصول لقمته لم يستطع سوي عدد قليل فقط النزول بأنفسهم لأعمق نقطة في المحيط في (خندق مارايانا ). 

(خندق ماريانا) عبارة عن منخفض أرضي في قاع المحيط علي شكل حرف V و يقع في غرب المحيط الهادي بالقرب من جزر ماريانا , و لكي تصل لأعمق نقطة في الخندق من سطح المياه ستكون مضطرا للنزول لعمق 11 كيلو متر .

ربما تظن أن هذا الرقم ليس بكبير و لكن تخيل أن نأخذ جبل إيفيريست و نغرقه في الخندق و النتيجة ستكون أن الجبل سيختفي تماما في المحيط و سيتبقي فوقه مسافة تقارب الـ 2 كيلو متر أو تزيد وصولا لسطح المياه

كان يعتقد لعقود طويلة أنه لا يوجد أي نوع من أنواع الحياة في خندق ماريانا , و لكن المعلومات التي كشفها لنا خندق ماريانا غيرت مفهوم البشرية تماما عن أعماق المحيط.

اكتشاف خندق ماريانا :

في رحلة لدراسة المحيطات و الكشف عن أعماقها إنطلقت سفينة البحث البريطانية (HMS challenger) في مهمة استكشافية استمرت لـ 4 سنوات بداية من عام 1872 لـ 1876 .

قطعت السفينة خلالها مسافة 112,000 كيلو متر و كان النظام المتبع حينها لقياس الأعماق هو استخدام طاقم السفينة لحبال شديدة الطول موضوع عليها علامات لتحديد الطول و موضوع في طرفها قطعة ضخمة من المعدن .

مع كل 225 كيلومتر تقطعها السفينة تتوقف حينها ليرمي طاقمها الحبال في المياه و يتركوه حتي تصل القطعة المعدنية للقاع و يعرفون العمق من خلال العلامات الموضوعة علي الحبل و بالرغم من صعوبة الموضوع إلا أنه كان السبيل الوحيد حينها لقياس أعماق المحيطات.

مع وصول السفينة لغرب المحيط الهادئ بالقرب من جزر ماريانا كان ينتظر الطاقم مفاجأة من نوع خاص , عندما ترك طاقم السفينة الحبل فوجئوا باستمرار الحبل في الهبوط في المياه لمسفات كبيرة دون أن يصل المعدن للقاع .

مع العلم ان هذا لم يحدث من قبل في المناطق التي مرت بها السفينة قبل ذلك و بعد أن وصل طول الحبل إلي 8000 متر تقريبا في المياه ضرب المعدن القاع و استقر .

و كانت هذه مفاجأة ففي هذا الوقت لم يكن يتخيل أحد أن تصل أعماق المحيط إلي هذا العمق , و جن جنون العلماء حينها و تفجرت الأسئلة عن طبيعة المكان و كيفية تكوينه فهل هو عبارة عن حفرة صغيرة في قاع المحيط أم حفرة ضخمة أم خندق ما ؟.

و هل تعيش مخلوقات حية علي هذا العمق و إذا كان نعم فهل هي مخلوقات طبيعية كالتي نعرفها أم وحوش أسطورية بتكوين مختلف مما يسمح لها البقاء في هذه الأعماق تحت الضغط المائي الشديد في ظلام دامس ؟

و لكن كانت كل هذه الأسئلة من الصعب الإجابة عليها يومها نظرا للأدوات و التكنولوجيا البدائية التي لا يمكنها أن تكتشف ذلك , و تم اعتبار الحملة الاستكشافية لـلسفينة (HMS challenger) بداية مولد علم المحيطات الحديث و اللمحة الأولي لآفاق كانت بعيدة عن منظور العالم .

و استطاعت أن تعطينا أول خريطة حقيقية عن الأعماق و التي كشفت لنا وجود انحدارات عن الأرض في قاع المحيطات و التي تشكل منخفضات لمسافات طويلة تصل لـ مئات الأمتار حتي تنتهي علي شكل أرض منبسطة.

لكن العجيب في غرب المحيط الهادي بالقرب من جزر الماريانا أن الانحدارات بعد هبوطها لا تنتهي في أرض منبسطة بل تسقط مرة اخري في حفرة عميقة لمسافة تصل إلي 8000 متر من سطح المياه .

هذه المعلومة غيرت من نظرة البشرية تماما عن أعماق المحيط بلإضافة إلي أنها فتحت المجال للبحث عن وجود شكل من أشكال الحياة علي ذلك العمق.

و بعد 75 عام بدأ ظهور الإجابات عن طبيعة المكان , و عام 1951 رجعت سفينة بحث بريطانية للحفرة مرة أخري و لكن هذه المرة كانت مزودة بأدوات أكثر تطورا لقياس الأعماق مع الاستعانة بتقنية السونار.

النتائج لذلك البحث كانت مذهلة بعد ان كشفت أن الحفرة الموجودة في قاع المحيط ليست بحفرة بل هي جزء من خندق عملاق يصل طوله لـ 2550 كيلومتر و عرضه 69 كيلومت .

بالاضافة إلي أن العمق الذي توصلت له سفينة (HMS challenger) الذي تم تحديده بـ 8000 متر وصولا للخندق لم يكن هو العمق النهائي للقاع , ففي الطرف الجنوبي للخندق يوجد هبوط يصل إلي 11000 متر .

بذلك يكون هذا العمق هو أعمق نقطة في خندق ماريانا بل أعمق نقطة علي كوكب الأرض بأكمله , و أطلق علي ذلك الجزء من الخندق اسم (Challenger deep) تكريما للسفينة التي اكتشفته .

و بالرغم من أهمية المعلومات التي توصلت لها السفينة إلا أن هناك اسئلة لم يتم الإجابة عليها بعد , و من أهم هذه الأسئلة : هل يوجد شكل من أشكال الحياة علي هذا العمق أم لا ؟

كانت اللمحة الأولي للإجابة علي هذا السؤال عن طريق السفينة السوفيتية (Vitus) بعد أن كشفت لنا عام 1958 عن وجود حياة بحرية بأعداد كبيرة من المخلوقات علي عمق يتعدي الـ 7000 متر تحت سطح المياه.

بجانب وجود أنواع مختلفة من البكتيريا و اللافقاريات تم الكشف عن وجود أعداد كبيرة من الأسماك و الكائنات الغير المعروفة للبشر يومها و التي اشتهرت أيامها بإسم (وحوش البحر) .

لكن العلماء لم يكتفوا بتلك النتائج و قرروا محاولة النزول بأنفسهم في الخندق للحصول علي صورة أدق و لكن الوصول لأعمق نقطة علي الأرض أصعب آلاف المرات من تسلق أعلي نقطة .

ان السبب في ذلك هو أن أي انسان سينزل لذلك العمق سيواجه مشكلة الضغط العالي الذي يصل لأكثر من ألف مرة ضعف الضغط الموجود علي السطح .

عام 1960 كان أول نزول لإنسان في الخندق في حملة استكشافية لأعمق نقطة علي الأرض عن طريق الغواصة (Trieste) و هي عبارة عن غواصة تستطيع تحمل الضغط العالي و الغوص لعمق يصل إلي 10911 متر تحت سطح البحر .

 كان علي متن الغواصة العالم السويسري (Jacques Piccard) و الذي ساعد والده في تصميم الغواصة له , بلإضافة لزميله الأمريكي (John Walsh).

بعد الهبوط لمسافة لا تتعدي الـ 11 كيلومتر و في مدة لا تتجاوز الـ 5 ساعات وصلت الغواصة أخيرا لهدفها و هو القاع و استغرق الباحثين حوالي 20 دقيقة فقط .

بالرغم من صغر الفترة إلا أنها جائت بنتائج ذات قيمة و كانت كافية للتأكيد للباحثين أن هناك حياة بحرية من أسماك و مخلوقات غريبة تعيش بدون أي معاناه في تلك الظروف الصعبة علي ذلك العمق.

بعد سنوات من انتهاء البعثة تم الكشف عن سجلات العالم السويسري (Jacques Piccard) عن المهمة و التي كان من ضمنها أنه أثناء منتصف رحلتهم للقاع اكتشفوا وجود مخلوق ضخم علي شكل اسطوانة دائرية يتبع الغواصة و يتحرك حولها و كأنه يراقبهم .

 لكن هذا المخلوق غادر بعد دقائق و اختفي من المكان في لحظة قبل أن يتعرفوا علي طبيعته و رجح البعض فيما بعد أن ذلك المخلوق قد يكون من حضارة مائية غير معروفة لنا.

و استمرت عجائب الخندق أثناء الغوص له مرة أخري عام 1985 و ذلك عن طريق الحادثة التي واجهت السفينة الأمريكية (Glomal challenger)

Mariana Trenchحيث أنه أثناء إستخدام الباحثين لمسبار داخل المحيط , تفاجؤا بأصوات غريبة يتم تسجيلها عن طريق المسبار و في نفس اللحظة بدأت الأحبال الفولاذية الموصولة للمسبار تشد .

سحبت الأسلاك بشدة لدرجة أنها كادت أن تنقطع و بذلك سيفقدوا المسبار و كأن هناك شيئ حي علي عمق 10000 متر يهاجم المسبار .

 أسرع البحاثين في شد المسبار للسطح للكشف عن طبيعة ذلك الكائن و لكنهم لم يستطيعوا سحب المسبار فقد كان مشدودا بقوة مهولة ,  لكن بعد 3 ساعات كاملة استطاعوا سحبه أخيرا للسطح .

لكنه بمجرد إخراجه من المياه فوجئ الفريق بوجود علامات عض علي الجهاز لكائن بحري ضخم بالإضافة إلي بعض الأسلاك الفولاذية التي وجدت مقطوعة .

و لإحتواء حالة الفزع التي أصابت الفريق حينها تم الإعلان الرسمي عن سبب الحادث ان المسبار اصطدم بالجبال المحيطة بالخندق و لكن جميع من كان علي السفينة حينها كان يعلم أن هذا ليس السبب الحقيقي و خاصة أن آثار العض كانت واضحة علي الجهاز.

و بعدها ظهرت نظرية أطلقها بعض علماء الأحياء تقريرا عن السبب الحقيقي للحادث و هو أنهم افترضوا أن المخلوق الوحيد الذي تتطابق معه تلك العضات هو (قرش الميجالودون)

هذا القرش هو نوع عملاق من القروش المنقرضة يصل طوله لـ 22 متر و وزنه 45 طن و يعتبر من أكبر و أقوي الحيوانات المفترسة علي الإطلاق و من المفترض أنه انقرض منذ أكثر من مليون و 50 الف سنة (1500000) .

الفكرة التي طرحها علماء الأحياء حينها لم تأتي من فراغ و لكنها كانت نابعة من اكتشاف سن عملاق بحجم يد بشرية , و بعد إجراء بعض الفحوصات تم التأكد أنها راجعة لـ قرش الميجالودون.

لم تكن هذه الحادثة هي الوحيدة , حيث انه بعد عدة سنوات كان هناك حادثة اخري لسفينة بضائع يابانية بالقرب من خندق ماريانا و ذلك بعد تعرضها لصدمة مدوية من جانب السفينة قلبتها بكل سهولة في المياه و هذا حدث أثناء حالة جوية مستقرة خالية من أي اضطرابات و خالية من أي حواجز صخرية للمنطقة.

سواءا إن كنت مقتنعا من تواجد حيوانات منقرضة تعيش في الخندق أو لا فهذا لا يمنع من وجود كانات بحرية عجيبة موجودة علي ذلك العمق و تمتلك القدرة علي العيش في ظل الضغط العالي و الظلام الدامس .

هذا ما أكدته الغواصة اليابانية (Chikyu) و الذي تم إرسالها عن بعد للوصول لأعمق نقطة في الخندق و استطاعت خلال رحلتها الكشف عن ما يزيد عن 350 نوع من الكائنات البحرية في الفترة ما بين سنة 1995 حتي سنة 2003.

في مارس 2012 استطاع المخرج الكندي (جيمس كاميرون) (James cameron) أن يكون صاحب ثاني رحلة بشرية لتلك النقطة في قاع خندق ماريانا في الغواصة التي شارك في تصميمها بنفسه و عرض رحلته تلك بعدها في الفيلم الوثائقي (Deep sea challenge).

تكوين خندق ماريانا :

و الآن دعنا نتحدث عن كيفية تكوين الخندق و التي تعتمد في أساسها علي تزامن وجود الخندق مع مناطق الاندساس و هي المناطق التي تتصادم فيها الصفائح التكتونية مع بعضها البعض .

القشرة الأرضية مكونة من صفائح يطلق عليها الصفائح التكتونية و أسفلها يوجد صخور لدنة مائعة بسبب ارتفاع الضغط و درجة الحرارة , و تتحرك الصفائح فوقها في بطئ شديد يترواح بين ملليمترات إلي سنتيمترات كل عام .

في حالة تقارب صفيحة تكنونية مع أخري تنزلق الصفيحة ذات الكثافة الأعلي تحت الصفيحة الأقل كثافة و ينصهر ذلك الجزء المنزلق لأسفل مكوننا علي أثرها خنادق علي امتداد خط التصادم بين الصفيحتين .

و علي مدار آخر 50 مليون سنة إنزلق لوح المحيط الهادي أسفل لوح الفلبين و نتج عن ذلك ظهور خندق ماريانا.

لكن ما هو السبب الذي جعله أعمق نقطة علي وجه الأرض ؟

اكتشف العلماء أنه يوجد صلة بين عمر المحيطات و مدي عمقها فكلما زاد عمر المحيط زاد عمقه , و بعد الحصول علي عينات من أرض خندق ماريانا اتضح أن عمرها يعود لأكثر من 170 مليون سنة , و بذلك تكون النقطة الأقدم علي الإطلاق و الأعمق علي كوكب الأرض.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

فقرات الموضوع