جسدك ملك من ؟
لو تم اخذ بعض الخلايا من عينة دمائك اثناء قيامك بتحليل دمائك لأي سبب و استخدمها علماء في بحث او تجربة ما و ادت هذه التجربة لنتائج و ارباح تجارية , هل تظن انه سيكون لك نسبة في تلك الارباح ؟كان المريض الامريكي جوون موور (John Moore) يظن ذلك ايضا عندما اصيب بسرطان الدم و اتجه لمركز لعلاج سرطان الدم في كاليفورنيا (University Of California Los Angeles Medical Center) عام 1976 و خضع لعملية استئصال الطحال كما نصحه الاطباء كخطوة للعلاج.
و رغم انه وقع علي وثيقة بموافقته علي منح المركز كافة حقوق العينات التي اخذت من دمه و من نخاع عظمه الا انه لم يكن يعلم انه سيتم استخدام عيناته في ابحاث علي مدار سنين طويلة و ستؤدي الي نتائج ضخمة يتم دعمها و دعم الاطباء القائمين عليها بأكثر من 15 مليون دولار.
فرفع موور قضية ضد إستخدام خلاياه تجارياً بإعتباره صاحب هذه الخلايا , لكن رفضت القضية و تم إغلاقها لأن بعد المسافة عن خلاياه و العمل عليها في الأبحاث جعلتها تكتسب خواص جديدة و لم تعد ملكه.
قضايا شبيهة لها كانت تنتهي بالرفض أيضاً لعدم ملكية الأشخاص لعينة الدم أو لأنسجتهم بعد إستخدامها في الأبحاث.
و كان الجدل القانوني وقتها عن أن إجبار العلماء للمتبرعين بأنسجتهم بعقد موافقتهم علي إستخدامها لن يكون في مصلحة البحث العلمي و سيدخل غير المتخصصين في إجراءات و تفاصيل التجارب و ذلك ما سيعطل الباحثين.
لاحظ أننا نتحدث عن مؤسسات بضخامة المراكز الطبية التابعة لجامعة هارفارد (harvard) و جامعة ديوك (Duke) أكبر و أهم الجامعات في العالم متعاقدة مع مراكز الأبحاث ليبيعوا لهم أنسجة المرضي الذين يأتون للعلاج عندهم.
كل ذلك و ليس لك أي ملكية أو حقوق إنتفاع و لاحظ أيضاً أن تلك القضايا تم رفعها في دول مسموح بها أن تذهب بنفسك لتتبرع بأن تكون جزءاً من بحث طبي و يتم تجربة عليك علاجات مختلفة و تأخذ مقابل مادي علي ذلك.
فيمكنك بيع دمك و حيواناتك المنوية و شعرك , فكلها تعتبر أنسجة خارج إطار القوانين التي تمنع بيع و تداول الأعضاء البشرية.
هل تعرف عدد المعلومات التي تحملها خلاياك عنك ؟.......... هل تعرف خطورة و خصوصية هذه المعلومات ؟
تحت مظلة القوانين نفسها التي تسمح بتداول خلاياك و ما فيها بين الباحثين و العلماء إلا أنها ممنوعة من التداول بين مؤسسات الشرطة و القضاء !
في سبتمبر عام 2017 دخل بعض أفراد الشرطة إحدي المستشفيات الأمريكية ليطالبوا بعينة دماء لسائق أصيب في حادث مروري و تم نقله للمستشفى و هو فاقد للوعي بغرض إخضاعها لإختبارات الكحول و المخدرات فتصدت لهم واحدة من الممرضات تدعي أليكس ووبيلز (Alex wubbels) , بإعتبار أن هذا تعدي علي قوانين المستشفي و خصوصية و حقوق المرضي إلا لو قدمت الشرطة موافقة كتابية من الشخص نفسه قبل أن تأخذ منه العينة أو أن يكون مقبوضاً عليه بتهمة واضحة.
إشتد النقاش و إستخدمت الشرطة العنف ضد الممرضة و تحول الموضوع إلي فضيحة و لم تنتهي إلا بإعتذار قسم الشرطة كله بشكل رسمي للمستشفى و طاقمها و تعويض الممرضة بنصف مليون دولار لتعرضها لهذا الموقف الذي كانت فيه علي حق تماماً.
فخلاياك تحمل معلومات أعقد و أهم بكثير من نتائج الكحول و المخدرات فالحمض النووي الموجود في خلاياك يصف كل شيئ فيك و عن حياتك.
بل يمكنك معرفة انت من أي عرق من أعراق البشر و من أهلك و أجدادك و ما الصفات التي ورثها منهم و ما الذي ستورثه من صفات و الأمراض المصاب بها و إحتمالية إصابتك بأمراض أخري في المستقبل....... لك أن تتخيل عدد المصالح التي يمكن عملها من تلك المعلومات.
أكبر عدد من كتالوجات معلومات بشرية في العالم ليست موجودة في أي مركز طبي ضخم في العالم أو مركز أبحاث مهول بل موجودة في شركة خاصة أنشأتها سيدة أمريكية تدعي (Anne wojcicki) لكي تستطيع تحريك فضول الناس بمعرفة ماضيهم و مستقبلهم فيرسلون جيناتهم لها.
مجرد عود قطني و علبة حفظ تطلبهم من الموقع ب 99 دولاراً فقط , تأخذ بعود القطن القليل من لعابك و تضعه في العلبة و ترسله للشركة و الشركة تحلل خلاياك و تبلغك بالنتيجة و لكنها لم تكون تبلغك أنت فقط بل كانت تتاجر بهذه المعلومات و تبيعها لباحثين يحتاجونها في أبحاثهم و دراساتهم.
هذه الطريقة جعلت الشركة يصلها إستثمارات من جوجل بقيمة 4 مليون دولار و في أقل من 10 سنوات وصل رأس مالها إلي 240 مليون دولار.
نفس الدولة التي قررت إيقاف الشركة حفاظاً علي خصوصية العملاء هي نفس الدولة رفع ضد حكوماتها قضية من نفس النوع في الألفينات حيث إتهمت مجموعة أسر أمريكية مراكز الصحة في ولاية تكساس أنها تقوم بأبحاث علي عينات الدم التي تؤخذ من أجساد المواليد بشكل روتيني لفحص وجود بعض الأمراض الجينية لتستخدم في أبحاث بدون علم أو موافقة الأهل نهائياً.
السؤال هنا , هل ملكيتك لجسدك يمكن أن تختلف من كونك حياً أو ميتاً ؟.......بمعني هل جسدك مثل الممتلكات و النقود يمكن للورثة أخذ قرارات بخصوصها و يقسموها علي بعضهم البعض و يستنفعوا منه ؟
قد لا تتخيل أن جثتك سيحدث عليها هذه الخلافات يوماً ما.
و لكن الموضوع ليس بكل هذه البساطة في حالات جميع الجثث فعلي سبيل المثال: المومياوات الفرعونية التي إفترضنا أنه من حقنا إستخراجها من أماكنها و هي جثث بشرية مغطاة و مدفونة و لم نفعل ذلك فقط لدراستها بل لنعرضها في المتاحف للعامة و غير المتخصصين ليدفعوا الأموال لرؤيتها رغم أن أصحابها لم يتركوا لنا أي وثيقة تعطينا الحق في فعل ذلك بجثثهم.
مع التطور الكبير في المجال الطبي لم يعد الإنسان مجرد كائن حي أو جثة هامدة بل إن البشر أصبح يستنسخ منهم خلايا و أنسجة تحفظ في المعامل لتعيش سنوات أطول من عمر صاحبها نفسه.
في واحدة من أشهر حوادث هذا الخلاف عندما أخذ من مريضة تسمي(henriete lacke) عينة
من عنق رحمها و إكتشف الأطباء أن خلاياها تستطيع العيش و الإنقسام بشكل لا نهائي حتي بعد موت المريضة صاحبة الخلايا عكس ما يحدث للخلايا البشرية التقليدية التي تموت بعد فترة صغيرة
و تفشل عليها التجارب.
و بدأت خلايا تلك المريضة تستخدم في تجارب تطعيم شلل الأطفال و تجارب علي تأثير الإشعاع
و الكثير من المواد السامة و الفيروسات الخطيرة و أبحاث عن السرطان و الإيدز و تم تصدير منها أطنان و أطنان للمعامل في جميع أنحاء العالم و حتي عام 2009 كان كتب و نشر أكثر من 60 ألف مقال علمي عن بحث أو تجربة تم عملها علي تلك الخلايا.
و في عام 2013 تم نشر جميع المعلومات الوراثية داخل هذه الخلايا علي الإنترنت لأي شخص يريد إستخدامها في أبحاثه.
كل هذا بدون علم أو موافقة المريضة أو حتي موافقة أهلها , هذا لو كان لأهلها أي حق في التصرف في خلاياها بعد موتها
من الأساس.
و هذا التصرف قد يكون أعقد و أعمق من عمليات الشراء و الإستخدام في الأبحاث فقط.
كما حدث في الثمانينات عندما قررت زوجة بعد موت زوجها في حادث بشكل مفاجئ أن ترفع قضية أمام المحاكم الأمريكية تطالب فيها المستشفي بإستخلاص بعض الحيوانات المنوية من جسد زوجها و حفظها حتي يتم عمل تخصيب صناعي مع بويضاتها
و تزرعها في رحمها للحصول علي جنين من زوجها المتوفي.
في الحقيقة انه تقنياً و ببعض الوسائل الطبية الأمر قابل للتنفيذ و لكن وقع الخلاف بينها و بين أهل المتوفي و بين القانون بخصوص نسب الطفل و ميراثه من والده الذي يمكن أن يكون لم يخطط لإنجاب أطفال قبل الوفاة.
و ظل السؤال قائماً: من له الحق في الحكم علي جسد الميت و يمتلك القرار بإستخدام جثته بهذا الشكل ؟
تعليقات
إرسال تعليق