القائمة الرئيسية

الصفحات

داروين و نظرية التطور


مؤسس نظرية التطور و أصل الأنواع 

تشارلز داروين
(تشارلز داروين) هو أحد أكثر العلماء الذين أثاروا الجدل حولهم منذ أن فجر القنبلة المدوية التي غيرت علم الأحياء تماما , كتاب (أصل الأنواع) : الكتاب الذي تصادم مع العديد من الثوابت الراسخة لدي شعوب العالم المختلفة باختلاف الأجناس و الأديان بعد أن طرح فكرة أن جميع الكائنات علي الأرض جائت من أصل و سلف مشترك بما فيها الإنسان و حتي اليوم لا زال اسم تشارلز داروين يرتبط بالكثير من الجدل و الصراع بين أتباع (نظرية التطور) و معارضيها.

نشأته :

ولد (تشارلز داروين) عام 1809 بـ (إنجلترا) و كان الخامس بين 6 أطفال و كان ينتمي لعائلة إنجليزية علمية فوالده (د. روبرت داروين) طبيب و خبير علمي ينتمي لمجتمع غني و كان جده (إيراسموس داروين) عالم نباتات مشهور و عالم معروف و كانت أسرته تتبع طائفة التوحيديين و هو مذهب مسيحي يعتقد بوحدانية الله و يرفض معتقد التثليث.

كان لـتشارلز منذ طفولته ميلا نحو التاريخ الطبيعي عندما انضم للمدرسة النهارية التي يديرها الواعظ , و قضي داروين فترة مراهقته يعمل طبيبا متدربا يساعد أباه في علاج الفقراء و كان ذلك قبل ذهابه إلي كلية الطب بجامعة (أدنبرة) مع أخيه و عمره 16 عاما إذ كان والده يأمل أن يتبع خطواته و يصبح طبيبا و لكن منظر الدماء كان يجعل داروين في حالة سيئة فاقترح والده أن يصبح كاهنا و لكن داروين كان أكثر ميلا لدراسة التاريخ الطبيعي و لذلك فإن اهماله للدراسات الطبية جعل والده ينزعج فأرسله إلي (كلية المسيح) بـ (كامبريدج) للحصول علي بـكالوريوس الفنون كخطوة أولية ليصبح رجل دين بـ (الكنيسة الإنجيلية).

لكن فضل داروين ركوب الخيل و الرماية بدلا من الدراسة كما شجعه ابن عمه علي جمع الخنافس و استمتع داروين بذلك , كما أصبح داروين صديقا مقربا من أستاذ علم النباتات (جون ستيفنز هنسلو) , و تعرف أيضا علي آخرين مهتمين بالطبيعة و الذين كانوا ينظرون للعلم من زاوية دينية بحتة و عرف داروين فيما بعد بـ {الرجل الذي يمشي مع هنسلو}.

رحلاته :

بعد تخرج داروين بدرجة البكالوريوس في الفنون عام 1831 أوصي هنسلو به للحصول علي متن السفينة (البيغل) التابعة لـلمكية البريطانية و التي من المقرر أن تقوم برحلة استقصائية علي مدار 5 سنوات في جميع أنحاء العالم و رأي أن الرحلة ستكون فرصة العمر له , اعترض والده في البداية علي الرحلة معتبرا انها مضيعة للوقت و لكنه في النهاية اقتنع بها و سمح له بالذهاب , و بدأت الرحلة البحرية عام 1831 و استمرت ما يقارب 5 سنوات قضي فيها داروين معظم وقته علي اليابسة في مسح جيولوجي و دراسة التاريخ الطبيعي للأنواع إضافة إلي رسم السواحل.

احتفظ داروين بما جمعه من معلومات و ملاحظات و ما وضعه من نظريات و ما بين فترة و أخري كان يرسل عيناته إلي (جامعة كامبريدج) مع نسخة من دوريته العلمية إلي أسرته و قد كان لـ داروين خبرة في الجيولوجيا و تشريح الفقاريات و لكن في المجالات الأخري كان لا يزال مبتدءا و يستعين بالخبراء علي الرغم مما كانوا يعانونه طوال رحلتهم البحرية من دوار البحر و لكن ذلك لم يمنع داروين من الكتابة و التأليف و هو علي متن السفينة فقد جمع أنواعا متنوعة من العينات الطبيعية فيها الطيور و النباتات و الحفريات من خلال الممارسة العملية للبحث و التفحص و حصل علي فرصة فريدة لمراقبة مبادئ علم النبات و الجيولوجيا و علم الحيوان عن قرب.

معظم ملاحظاته و كتاباته في علم الحيوان كانت حول اللافقاريات البحرية و التي تبدأ من العوالق البحرية التي يجمعها و في البرازيل فرح داروين لرؤيته الغابات الاستوائية و لكن لم يعجبه مناظر العبودية في أستراليا فقد بدا حيوان الكنغر و منقار البط غير عاديين له و الذي اعتقد بدوره أن هناك خالقا آخر لهما.

بدأ داروين كتابة مشاهداته و ملاحظاته في مجلة التاريخ الطبيعي و نشرها في مقال بعنوان : (علم الحيوان في رحلة بيغل).

عمل داروين علي أن يثبت أن الانسان ليس إلا واحدا بين الكائنات المتطورة و أن الانسان ليس له هذه الأهمية التي يتصورها معظم الناس في الماضي , فمن يدري ربما سبقته كائنات أخري في التطور و قد كانت هذه الأفكار السبب الرئيسي في فزع رجال الدين و سخطهم فقد رأوا أن داروين كافرا و ملحدا لأنه لم يأخذ بما جاء في الكتاب المقدس حرفيا مع أن نظرية التطور كانت لتفسير كيفية تواجد أول خلية فـ داروين نفسه قال : "ليس بالضرورة اتخاذ الاعتقاد بصحة النظرية سبب للإلحاد".

ففي ذلك الوقت كان يعتقد علماء الطبيعة أن جميع الأنواع إما جائت إلي الوجود مع بداية العالم أو أنه تم خلقه عبر التاريخ الطبيعي , في كلتا الحالتين كان الإعتقاد السائد أن هذه الأنواع تبقي نفسها علي مر الزمان غير أن داروين لاحظ أوجه الشبه التشريحي بين الأنواع في جميع أنحاء العالم مع بعض الاختلافات التي تتغير بتغير المكان مما أدي به إلي الاعتقاد أنها قد تكون تطورت تدريجيا من أسلاف مشتركة و اعتقد أن هذه الأنواع نجت و استمرت عن طريق عملية تسمي (الانتقاء الطبيعي) حيث تكاثرت و انتشرت الأنواع التي استطاعت أن تتكيف مع التغيرات المناخية و البيئية بنجاح , و استطاعت تلبية المتطلبات المتغيرة لموطنها الطبيعي في حين أن الأنواع التي فشلت في التطور و التكاثر انقرضت.

و بالتالي فقد كان لهذه الرحلة تأثيرا كبيرا علي وجهة نظر داروين للتاريخ الطبيعي جعلته يبدأ بتطوير نظرية ثورية حول أصل الكائنات الحية التي كانت تتعارض مع وجهة النظر العامة لدي علماء الطبيعة الآخرين في ذلك الوقت , كما كان لها أيضا آثار سلبية علي داروين حيث عاني من أمراض مزمنة بعد عودته من الرحلة مثل : (الارهاق و الاكزيما و النوبات المزمنة من الغثيان و الصداع) و كلها أعراض لازمته لبقية حياته.

عندما انتهت الرحلة و عادت السفينة عام 1836 كان داروين قد أصبح من المشاهير في الأوساط العلمية و ذلك بفضل استاذه السابق هنسلو الذي أشاد بمجهوداته و عمل علي نشر رسائل داروين الجيولوجية بين علماء الطبيعة.

تزوج داروين من (إيما ويدجود) ابنة عمه الفاتنة و الذكية و التي كانت تكبره بـ 9 أشهر و أنجب منها 10 أطفال و قد كان داروين والدا مخلصا و متيقظا بشكل غير اعتيادي لأطفاله , فقد كان يخاف علي أطفاله الأمراض الوراثية الناجمة عن زواج الأقارب فقد توفي ثلاثة منهم في مرحلة الطفولة , و أصبح ثلاثة من أبنائهم علماء بارزين و انتخبوا زملاء في الجمعية الملكية.

في عام 1859 و بعد سنوات من التحقيق العلمي قدم داروين نظرية التطور الثورية من خلال نشر كتابه الشهير (أصل الأنواع) و قد أثار الكتاب اهتماما عالميا و أحدث جدلا كبيرا.

توفي داروين عام 1882 بعد حياة مليئة بالبحث المتعمق و قد كانت آخر كلماته لأسرته :
  • أنا لست خائفا من الموت
  • لقد كنتي زوجة صالحة و مخلصة لي
  • أخبري كل أولادي أني أتذكر كم كانوا جيدين معي.

و قد أقيمت جنازة رسمية كبيرة تكريما له و دفن في مقبرة (ويستمنستر) إلي جانب العلماء : (جون هيرشل) و (إسحاق نيوتن).

في عام 1909 تم تكريمه من قبل أكثر من 400 عالم حول العالم و الذين تقابلوا في (كامبريدج) ليحتفلوا بذكراه السنوية في الذكري الـ 15 لكتابة أصل الأنواع..... و في عصرنا الحالي عصر الهندسة الوراثية و علوم الأحياء المتقدمة أصبحت بعض الأساسيات التي ارتكز عليها داروين في نظرياته غير صحيحة و لكن مازال جوهر النظرية و فكرتها الأساسية  قائمة بقوة و أيدتها الكثير من الاكتشافات و الحفريات الحديثة فقد أصبح التطور حقيقة يعترف بها الغالبية العظمي من علماء العالم.

كان داروين السبب الرئيسي في بعث فجر جديد من علوم الوراثة و رسم الخرائط الوراثية الحية لكافة أنواع الحياة ابتداءا بالإنسان حتي الكائنات المجهرية و منذ أن نشر داروين كتاب أصل الأنواع بدأ العلماء في رسم و تخطيط و اكتشاف أشكال الحياة و مظاهرها التطورية بما لا يخطر علي بال داروين و أحدثت نظريته انقلابا في العلوم و كشفت دراسات الحمض النووية أدلة داعمة لصحة نظرية التطور و علي الرغم من الجدل حول نزاعها مع المعتقدات الدينية الثابتة لديانات عديدة و لكنها لا زالت النظرية الأكثر قبولا علميا حتي اليوم.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

فقرات الموضوع