بعد نشر تحقيق فاضح للجيش الأمريكي عام 2010 أصدر الرئيس باراك أوباما (Barack Obama) إعتذاراً رسمياً للرئيس الغواتيمالي ألفارو كولوم (Àlvaro colom) عن جريمة حدثت منذ 60 عاماً و بالتحديد عام 1948.
في هذا العام وصلت للجندي الغواتيمالي فريدريكو راموس (Frédérico Ramos) أوامر بالتوجه إلى وحدة صحية تابعة للجيش الأمريكي , و حقنه الأطباء بمادة لا يعلم عنها شيئاً و طلبوا منه تكرير زيارته لهم علي مدار فترة خدمته في الجيش.
بالصدفة إكتشف راموس و كان قد بلغ من العمر 40 عاماً أن الأطباء كانوا يحقنوه بمرض الزهري (syphilis) و السيلان (Gonorrhoea) و أمراض تناسلية أخري كثيرة.
و ليس هو فقط من عاني منها و مضاعفاتها حتى سن 78 عاماً بل نقلها أيضاً لزوجته و أولاده لأنه لم يعالج منها في الوقت المناسب.
راموس كان جزءاً من تجربة أجراها الجيش الأمريكي كان هدفها نبيل جداً -كما قالوا- و هو دراسة الأمراض التناسلية التي كانت منتشرة في الجيش الأمريكي آن ذاك.
نقل القائمين علي التجربة عمداً أمراض تناسلية لراموس و 1300 مواطن غواتيمالي آخر , من ضمنهم أطفال و مرضي اضطرابات عقلية و مساجين بدون موافقتهم أو علمهم.
في نفس الوقت الذي كانت تقام فيه هذه التجربة في سرية تامة , كان العالم مشغولاً بمحاكمة قادة النازية علي جرائمهم ضد الإنسانية بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية، و من ضمنهم كان يحاكم 20 طبيباً نازياً علي التجارب التي عرضوا فيها أسري سياسيين و معتقلين لمختلف أنواع التجارب من تجويع و تجميد و بتر و إستئصال أعضاء بدون تخدير و حقن مواد سامة و مواد مجهولة الأثر علي صحة الإنسان و كل ذلك بحجة البحث العلمي.
وقت المحاكمات النازية لم يكن هناك أي قانون أو تشريع دولي أو حتي وثيقة رسمية تحدد المعايير الأخلاقية لإجراء التجارب على البشر بإستثناء وثيقة وطنية واحدة تم عملها في ألمانيا نفسها و هذا ما دفع هيئة المحاكمة لأول مرة تطوير وثيقة لهذا الغرض حدد فيها المبادئ الأساسية لإجراء تجارب علي البشر تشترط ضرورة إعلام المشاركين بما سيحدث في التجربة و أخذ الموافقة منهم بكامل إرادتهم مع إمتلاك الحق الكامل في الإنسحاب من التجربة بدون أية عواقب.
بناءاً علي تلك الوثيقة تم محاكمة الأطباء النازيين و كانت تلك هي البداية لمحاولات تنظيم أخلاقيات أي بحث يشارك فيه البشر.
و لكنها في الحقيقة كانت مجرد محاولة تنظيم فقط أو توجيهات للباحثين و لم يكن لها أي سلطة قانونية ملزمة و هذا مما سمح لقيام تجارب شبيهة لا تقل عنها بشاعة و قسوة بدون أي تعديلات أو تصحيح في الوضع مثل تجربة شهيرة جداً
(Tuskegee syphilis experiment) بدأت عام 1932 علي 400 مواطن أمريكي من أصل أفريقي مصابون بالزهري و كانت التجربة تهدف لمراقبة تطور المرض حتي مراحله المتقدمة بمضاعفاتها المؤلمة بمعني منع المرضي من أي علاج حتي بعد ظهور ال (penicillin) المعجزة التي تستطيع أن تشفي تماماً من الزهري بجرعات صغيرة منه و مع ذلك استمر الأطباء في منعهم من إستخدامه لمدة ثلاثين سنة.
كل ذلك و تجارب كثيرة أخري مشابهة كانت تتم بدون محاسبة أو عواقب قانونية من أي نوع.
حتي عام 1964 عندما إجتمعت الرابطة الطبية العالمية المكونة من عدة هيئات طبية دولية و أصدرت إعلان هيليسنكي (Declaration of Helsinki) , الذي أضاف مبادئ جديدة منها أن الأبحاث علي البشر لا بد أن تقام بناءاً علي أبحاث معملية و أبحاث سابقة علي الحيوانات و يتم مراجعتها من قبل لجنة مستقلة قبل بدايته و يقوم بالبحث أطباء أو علماء تلقوا التدريب و التأهيل العلمي الكافي.
إعلان هيليسنكي كان أول مجهود حقيقي من المجتمع الطبي لكي ينظم الأبحاث علي البشر و كان بداية لإصلاحات أخري كثيرة في مجال أخلاقيات البحث العلمي.
و لكن السؤال هنا , لماذا لا نوقف التجارب علي البشر تماماً بعد كل تلك الجرائم التي حدثت بسببها و نكتفي فقط بالتجارب علي الحيوانات ؟
و لكن في الحقيقة أنه رغم أن التجارب علي الحيوانات مثمرة و لكننا لا نستطيع الإعتماد عليها لأسباب كثيرة أهمها إختلاف تطور الأمراض بين البشر و الحيوانات و صعوبة محاكاتها في المعمل بشكل دقيق حتي في الحيوانات التي تشارك أكثر من 90% من جيناتها مع البشر يبقي هناك اختلافات بيننا و بينهم في وظائف الأعضاء و الإستجابة للعلاج و هذا ما يجعل التجارب علي الحيوانات محل شك.
في واحدة من أشهر تجارب الأدوية التي انتهت بشكل كارثي رغم أن نتائجها علي الحيوانات كانت مبشرة و كانت تلك التجربة علي عقار ال (thalidomide) الذي ظهر في الخمسينات كمنوم و كانت له شعبية كبيرة بين الحوامل لأنه كان يخفف الغثيان الصباحي المزعج أثناء الحمل و بعد بضعة أعوام من طرح العقار للبيع في الصيدليات فوجئ الأطباء بولادة أكثر من 10 آلاف طفل مشوه و فاقد للأطراف كعرض جانبي لتعاطي الأمهات للعقار أثناء الحمل.
و هذا لأن التجارب لم تكن كافية و لم تتوقعها خصوصاً أن في هذا الوقت لم تكن شركات الأدوية مجبرة علي فحص تأثير الأدوية علي أجنة الحيوانات أثناء الحمل.
و لكن في الحقيقة لم تكن جميع التجارب علي البشر مخزية , فمثلاً مرض الجدري - ليس الجديري المائي المعروف اليوم - الذي قتل أكثر من 30 مليون شخص في القرن العشرين إختفي من علي وجه الأرض بسبب ملاحظة فلاح إنجليزي أن الخادمات التي يحلبن البقر و المعرضات للإصابة بجدري البقر كان لديهم مناعة طبيعية ضد جدري البشر فقام بعمل تجربته الخاصة علي أقرب البشر له و ينقل العدوي لزوجته و أولاده و هذا ما أكسبهم مناعة ضد الجدري و بعدها بسنين استطاع الأطباء تكرير التجربة و طوروا بناءاً عليها أول تطعيم في التاريخ الطبي.
و مثل تجارب فيروس شلل الأطفال (poliomyelitis) الخطير جداً الذي يسبب شلل دائم ليس له علاج و لكي نتأكد من فاعلية التطعيم ضده و نصل اليوم الي أن 80% من سكان العالم يعيشون في مناطق خالية تماماً من المرض كان يجب أن نقوم بتجربة من أكبر التجارب الميدانية في التاريخ حيث إشترك فيها مليون و 800 ألف طفل أخذوا لقاح شلل الأطفال الذي طوره الطبيب جوناس سولك (Jonas Salk).
و مثل تجارب جرثومة المعدة (Helicobacter pylori) البكتيريا التي لم يعلم الطب علاقتها القوية بقرحة المعدة إلا بعد التجربة التي قام بها الطبيب باري مارشال (Barry Marshall) علي نفسه عام 1984 عندما شرب محلول به كميات مهولة من هذه البكتيريا و تحمل عدة أيام من الألم و القيئ المستمر و الأعراض المرضية المزعجة حتي أثبتت عينة من معدته إصابته بقرحة المعدة.
رغم التاريخ المربك للتجارب علي البشر ستظل الحقيقة معروفة أنه بدونها لم يكن للطب الوصول إلى التقدم الحالي , أجل لم يكن كلها أخلاقي و لكن الكثير منها ساهم بشكل إيجابي جداً في محاربة المرض.
حالياً علي مستوي العالم يوجد أكثر من 80 مؤسسة و هيئة متخصصة مهمتها فقط مراقبة إنضمام البشر للتجارب الطبية و إصدار بروتوكولات و توصيات يتم تعديلها بإستمرار حتي تضمن حماية حقوق المشاركين فيها و الذي وصل عددهم إلي 130 ألف شخص علي مستوي العالم عام 2015.
لذلك لا تقلق لان مستقبل البشرية سيكون افضل بكثير في الاعوام المقبلة..
في هذا العام وصلت للجندي الغواتيمالي فريدريكو راموس (Frédérico Ramos) أوامر بالتوجه إلى وحدة صحية تابعة للجيش الأمريكي , و حقنه الأطباء بمادة لا يعلم عنها شيئاً و طلبوا منه تكرير زيارته لهم علي مدار فترة خدمته في الجيش.
بالصدفة إكتشف راموس و كان قد بلغ من العمر 40 عاماً أن الأطباء كانوا يحقنوه بمرض الزهري (syphilis) و السيلان (Gonorrhoea) و أمراض تناسلية أخري كثيرة.
و ليس هو فقط من عاني منها و مضاعفاتها حتى سن 78 عاماً بل نقلها أيضاً لزوجته و أولاده لأنه لم يعالج منها في الوقت المناسب.
راموس كان جزءاً من تجربة أجراها الجيش الأمريكي كان هدفها نبيل جداً -كما قالوا- و هو دراسة الأمراض التناسلية التي كانت منتشرة في الجيش الأمريكي آن ذاك.
نقل القائمين علي التجربة عمداً أمراض تناسلية لراموس و 1300 مواطن غواتيمالي آخر , من ضمنهم أطفال و مرضي اضطرابات عقلية و مساجين بدون موافقتهم أو علمهم.
في نفس الوقت الذي كانت تقام فيه هذه التجربة في سرية تامة , كان العالم مشغولاً بمحاكمة قادة النازية علي جرائمهم ضد الإنسانية بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية، و من ضمنهم كان يحاكم 20 طبيباً نازياً علي التجارب التي عرضوا فيها أسري سياسيين و معتقلين لمختلف أنواع التجارب من تجويع و تجميد و بتر و إستئصال أعضاء بدون تخدير و حقن مواد سامة و مواد مجهولة الأثر علي صحة الإنسان و كل ذلك بحجة البحث العلمي.
وقت المحاكمات النازية لم يكن هناك أي قانون أو تشريع دولي أو حتي وثيقة رسمية تحدد المعايير الأخلاقية لإجراء التجارب على البشر بإستثناء وثيقة وطنية واحدة تم عملها في ألمانيا نفسها و هذا ما دفع هيئة المحاكمة لأول مرة تطوير وثيقة لهذا الغرض حدد فيها المبادئ الأساسية لإجراء تجارب علي البشر تشترط ضرورة إعلام المشاركين بما سيحدث في التجربة و أخذ الموافقة منهم بكامل إرادتهم مع إمتلاك الحق الكامل في الإنسحاب من التجربة بدون أية عواقب.
بناءاً علي تلك الوثيقة تم محاكمة الأطباء النازيين و كانت تلك هي البداية لمحاولات تنظيم أخلاقيات أي بحث يشارك فيه البشر.
و لكنها في الحقيقة كانت مجرد محاولة تنظيم فقط أو توجيهات للباحثين و لم يكن لها أي سلطة قانونية ملزمة و هذا مما سمح لقيام تجارب شبيهة لا تقل عنها بشاعة و قسوة بدون أي تعديلات أو تصحيح في الوضع مثل تجربة شهيرة جداً
(Tuskegee syphilis experiment) بدأت عام 1932 علي 400 مواطن أمريكي من أصل أفريقي مصابون بالزهري و كانت التجربة تهدف لمراقبة تطور المرض حتي مراحله المتقدمة بمضاعفاتها المؤلمة بمعني منع المرضي من أي علاج حتي بعد ظهور ال (penicillin) المعجزة التي تستطيع أن تشفي تماماً من الزهري بجرعات صغيرة منه و مع ذلك استمر الأطباء في منعهم من إستخدامه لمدة ثلاثين سنة.
كل ذلك و تجارب كثيرة أخري مشابهة كانت تتم بدون محاسبة أو عواقب قانونية من أي نوع.
حتي عام 1964 عندما إجتمعت الرابطة الطبية العالمية المكونة من عدة هيئات طبية دولية و أصدرت إعلان هيليسنكي (Declaration of Helsinki) , الذي أضاف مبادئ جديدة منها أن الأبحاث علي البشر لا بد أن تقام بناءاً علي أبحاث معملية و أبحاث سابقة علي الحيوانات و يتم مراجعتها من قبل لجنة مستقلة قبل بدايته و يقوم بالبحث أطباء أو علماء تلقوا التدريب و التأهيل العلمي الكافي.
إعلان هيليسنكي كان أول مجهود حقيقي من المجتمع الطبي لكي ينظم الأبحاث علي البشر و كان بداية لإصلاحات أخري كثيرة في مجال أخلاقيات البحث العلمي.
و لكن السؤال هنا , لماذا لا نوقف التجارب علي البشر تماماً بعد كل تلك الجرائم التي حدثت بسببها و نكتفي فقط بالتجارب علي الحيوانات ؟
و لكن في الحقيقة أنه رغم أن التجارب علي الحيوانات مثمرة و لكننا لا نستطيع الإعتماد عليها لأسباب كثيرة أهمها إختلاف تطور الأمراض بين البشر و الحيوانات و صعوبة محاكاتها في المعمل بشكل دقيق حتي في الحيوانات التي تشارك أكثر من 90% من جيناتها مع البشر يبقي هناك اختلافات بيننا و بينهم في وظائف الأعضاء و الإستجابة للعلاج و هذا ما يجعل التجارب علي الحيوانات محل شك.
في واحدة من أشهر تجارب الأدوية التي انتهت بشكل كارثي رغم أن نتائجها علي الحيوانات كانت مبشرة و كانت تلك التجربة علي عقار ال (thalidomide) الذي ظهر في الخمسينات كمنوم و كانت له شعبية كبيرة بين الحوامل لأنه كان يخفف الغثيان الصباحي المزعج أثناء الحمل و بعد بضعة أعوام من طرح العقار للبيع في الصيدليات فوجئ الأطباء بولادة أكثر من 10 آلاف طفل مشوه و فاقد للأطراف كعرض جانبي لتعاطي الأمهات للعقار أثناء الحمل.
و هذا لأن التجارب لم تكن كافية و لم تتوقعها خصوصاً أن في هذا الوقت لم تكن شركات الأدوية مجبرة علي فحص تأثير الأدوية علي أجنة الحيوانات أثناء الحمل.
و لكن في الحقيقة لم تكن جميع التجارب علي البشر مخزية , فمثلاً مرض الجدري - ليس الجديري المائي المعروف اليوم - الذي قتل أكثر من 30 مليون شخص في القرن العشرين إختفي من علي وجه الأرض بسبب ملاحظة فلاح إنجليزي أن الخادمات التي يحلبن البقر و المعرضات للإصابة بجدري البقر كان لديهم مناعة طبيعية ضد جدري البشر فقام بعمل تجربته الخاصة علي أقرب البشر له و ينقل العدوي لزوجته و أولاده و هذا ما أكسبهم مناعة ضد الجدري و بعدها بسنين استطاع الأطباء تكرير التجربة و طوروا بناءاً عليها أول تطعيم في التاريخ الطبي.
و مثل تجارب جرثومة المعدة (Helicobacter pylori) البكتيريا التي لم يعلم الطب علاقتها القوية بقرحة المعدة إلا بعد التجربة التي قام بها الطبيب باري مارشال (Barry Marshall) علي نفسه عام 1984 عندما شرب محلول به كميات مهولة من هذه البكتيريا و تحمل عدة أيام من الألم و القيئ المستمر و الأعراض المرضية المزعجة حتي أثبتت عينة من معدته إصابته بقرحة المعدة.
رغم التاريخ المربك للتجارب علي البشر ستظل الحقيقة معروفة أنه بدونها لم يكن للطب الوصول إلى التقدم الحالي , أجل لم يكن كلها أخلاقي و لكن الكثير منها ساهم بشكل إيجابي جداً في محاربة المرض.
حالياً علي مستوي العالم يوجد أكثر من 80 مؤسسة و هيئة متخصصة مهمتها فقط مراقبة إنضمام البشر للتجارب الطبية و إصدار بروتوكولات و توصيات يتم تعديلها بإستمرار حتي تضمن حماية حقوق المشاركين فيها و الذي وصل عددهم إلي 130 ألف شخص علي مستوي العالم عام 2015.
لذلك لا تقلق لان مستقبل البشرية سيكون افضل بكثير في الاعوام المقبلة..
تعليقات
إرسال تعليق